Sunday 6 October 2013

بيان ما بعد 30 يونيو

 
منذ ظهور حملة تمرد و دعوة 30يونيو
 
منذ ما يقارب العاميين نزل الى الشوارع ما يقارب الملايين معترضين على سياسة نظام المخلوع محمد حسني مبارك في مشهد صدم جميع طوائف المجتمع حيث كان النزول العفوي للجماهير غير مدعوم و غير مسيس, و الاهم انه لم يكن منضوي تحت حتى فرد او طرف يتحكم فيه, حيث صدمت الجماهير النخب السياسية التي ظلت تشعر ان لا احد يستطيع ان يسلب منها شرف مطالبة النظام بمجموعة مطالب اصلاحية هدفها صرف وعي جموع الشعب عن ان هذا النظام –كمثله من انظمة حول العالم- لا يستطيع ان يحيا بغير الفساد فهو قائم على استغلال جهد تلك الجموع التي نزلت وصرخت بمطالبها –عيش, حرية, عدالة اجتماعية- في الثامن والعشرين من يناير, وظل كذلك حتى اتى العسكر ظنا منهم انهم سوف يستطيعون تفريغ هذه الارادة الثورية في سلسلة من المسرحيات الهزلية التي بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية وانتهت بانتخاب محمد مرسي.
و في خضم تصدر الادارة العسكرية للموقف قبل انتخاب محمد مرسي, ظل العسكر مصممين على كسر هذه الروح الثورية عن طريق الاجتماعات و الدعوة لتشكيل احزاب حتى ذهب العديد من الشباب الثوري  الذين اغرتهم الكراسي و السلطة لتشكيل عشرات من الاحزاب السياسية التي ظنت ان الحل للازمة الحالية هو الانخراط في العمل السياسي, ولكن ما اكتشفوه في الانتخابات البرلمانية كما اكتشف الشعب انها مسرحية هزلية لا يمكن ان تغير النظام ولكن هدفها امتصاص العناصر الاكثر ثورية لتفتيت هذه العزيمة و تسييلها في مسرحية سخيفة تسمى الديموقراطية.
ولكن هذا لم يحدث كما خططت له الادارة العسكرية في ذلك الوقت لتبدأ الجموع مرة اخرى في احتلال الشوارع, ويبدا العمال في احتلال اماكن عملهم في سلسة من الاحتجاجات وصلت ذروتها في اواخر ومنتصف العام الاول للثورة حيث كان متوسط الاحتجاجات في هذه الفترة ما يقارب المئات في اليوم الواحد, لتقف الادارة العسكرية عاجزة عن تسييل هذه الروح الثورية في عمل سياسي يضمن للنظام ان يبقى بقواعده ولكن بشكل مقبول عما سبق, فاتت الانتخابات الرئاسية لتشهد مشاركة اقل من الطبقات الشعبية و الشعب بشكل عام.
و ليستمر بعد ذلك توسع الهوة بين "العملية الديموقراطية" و جموع الشعب لتقف النخب السياسية بجموعها من الاسلام السياسي و النخب الليبرالية عاجزين عن صرف نظر الشعب عن مطلب اسقاط النظام الذي ثارت عليه منذ عامين آملة في بديل جديد, و لتستمر الشوارع في النزف بدماء الجماهير, لتاتي بعد ذلك عملية وضع الدستور التي شهدت على ان "العملية الديموقراطية" هي اول خطوة على طريق الديكتاتورية.
و في ظل هذا المعترك السياسي عكفت النخبة بطرفيها المتصارعين على ايجاد حلول للسيطرة على هذه الجموع  فبين الخطابات السياسية في الائتلافات و الاموال المدفوعة لتمويل الحملات الشبابية التي يقبع خلفها عجزة النخب السياسية الخائفين من ان تستطيع الجماهير ان تنظم نفسها و تجد البديل للتخلص من هذه النخبة التي تعد جزء من النظام لاخماد الحراك الثوري لضمان استقرار النظام لتظهر هذه الحركة التي تدعي التمرد تحت اسم "حركة تمرد" لتضع نصب اعينها مطالب النخب السياسية "الاصلاحية" التي صدح بها الاعلام الهزلي المعارض حيث ان مطالبهم تتلخص في "اسقاط راس النظام و هو محمد مرسي" الذي ليس هو في واقع الامر سبب المشكلة, ان سبب المشكلة الاصلي الذي يحارب النخب السياسية عليه هو النظام الذي هم جزء منه النظام الذي لم يسقط في الثامن و العشرين من يناير الماضي, والذي حرص الجميع على عدم اسقاطه بسبب تشابك مصالحهم معه.
ان حملة تمرد الاصلاحية تعبر عن مطالب النخب السياسية المتصارعة على السلطة التي تعمل جاهدة على اقناع الجماهير بانها تسعى للعمل جاهدة لتحسين ظروفها الاقتصادية والاجتماعية, لكن اذا ما نظرنا لأداء هذه النخب منذ الثامن و العشرين من يناير منذ عامين, سنجد انها من دعت لمنع النزول و شدد على التوقف عن التظاهر بعد ان اتت الادارة العسكرية كآخر ورقة لعبها النظام لحماية نفسه, سنجد انها من دعت للنزول للعملية الديموقراطية آملة الحصول على مكاسب, لكنها فشلت في ذلك, ولذلك انتفضت النخبة الآن بعد نجاح الاخوان في السيطرة على مفاصل الدولة واقصاء باقي القوى السياسية ما ادى لاحتقان وتصارع بين هذه النخب ونخب الاسلام السياسي, و من اجل ان تستعيد النخب الليبرالية سطوتها مرة اخرى, فما كان منها الا انها دعمت حملة تمرد بالنظر الى مطالبها الاصلاحية المناسبة لهذه الطبقة الطفيلية, حيث دعمتها في ابواقها الاعلامية و ايضا بمقراتها حتى تحولت حركة تمرد لتحرك اصلاحي هلامي يحاول ان يبحث عن جذور داخل المجتمع حتى يتم تسييل الروح الثورية للجموع لاهداف سياسية تستطيع النخب ان تستغلها في مكاسب سياسية ضمن العملية الهزلية المسماة بالديموقراطية.
ان خطر حملة تمرد يكمن في انها تحاول جاهدة ان تقنع الجماهير بان المشكلة الحقيقة ليست في النظام الذي عاش على استغلالهم بل اقناعهم بان المشكلة تقبع في راس النظام وهو غير صحيح, حيث ان الاختلاف بين راس النظام ما قبل الثورة و ما بعدها هو الشكل لكن تبقى السياسات الاستغلالية واحدة وتبقى نفس السياسة القمعية و تبقى كل الظروف الاجتماعية والاقتصادية كما هي, ان حركة تمرد هي مجرد ملهاة سياسية لن تختلف نتيجتها –اذا افترضنا نجاحها- عن النتيجة الحالية لتسيس الثورة فالنخب ليس عندها اعتراض على السياسات الحالية او السابقة للنظام, و لكن وجه اعتراضها الوحيد هو انها تريد ان تصبح جزء من النظام تريد ان تصبح جزء من السلطة, فهم ينظرون للثورة بانها مكسب سياسي ولكن لا ينظرون لها بانها حراك شعبي يريد ان يهدم النظام الحالي ليتسنى للجماهير اقامة بديل اكثر عدالة واكثر مساواة و اكثر ثورية.
و الان وبعد 30 يونيو نقف الان على نتيجة هذه "الثورة" التي زعموا انها استكمالا لثورة ال25 من يناير –والتي في واقع الامر كانت في 28 من يناير ولكن يأبى اعدائها بالاعتراف بذلك- ها نحن نقف على نتائج حراك ال30 من يونيو حيث نشهد الان انقلابا عسكريا تاما و الاجدر بالذكر بانه ليس فقط انقلابا عسكريا ولكن محاولة لانتاج النظام الذي قضى نحبه في يناير منذ عاميين ولكن بافراد من الصفوف الخلفية.
و ها نحن الآن نشهد عودة الدولة البوليسية في حماية الانقلاب العسكري والتي فتحت اسلحتها على جميع افراد المجتمع –ليس كما يتم ترويجه ضد الاسلاميين فقط- وها نحن الان نشهد فض اضرابات عمالية بمساعدة قوات الجيش والشرطة, ونشهد تكميم افواه معارضين النظام الحالي, و ايضا محاكمة مواطنين بتهمة سب "السيسي", و لم تكتفي الطغمة العسكرية بذلك بل واطلقت يد الشرطة لتعتقل المواطنين اينما كانوا وتصادر حقهم في التنقل لتستطيع ممارسة سلطتها القمعية المفرطة, وايضا لم تنتهي حدود سلطتها عند هذا الحد بل واستعملت القتل كوسيلة ضد المواطنين العزل حتى تفرض قانون جديدا وهو ان ما يخرج عن سلطتنا فهو اذا ضحية لعنف وارهاب الدولة.
و حتى بعد ان حاول وزير الدفاع السيسي ان يخفي هذا الانقلاب العسكري بتغطيته بشكل مدني ليبرالي سواء كان عن طريق تعيين الرئيس عدلي منصور وهو الرئيس السابق للمحكمة الدستورية,رئيس وزارئه من الليبراليين حازم الببلاوي والذي هو في واقع الامر واحد من مؤيدي التوريث وايضا وزير النقل الذي تلطخت يديه بدماء المصريين في كوارث السكك الحديدية الذي عينه مبارك في 2001 وايضا كمال ابوعيطة النقابي الاصفر الذي يتراس مجموعة من النقابات المستقلة التي أنشأت بمساعدة الدولة وهدفها كان اختراق وتصفية الحراك العمالي في مصر, وعادل لبيب ولواءات الوزارة ووزير المالية و غيرهم من رجال الاعمال الفاسديين الذين ازدهروا في سنوات حكم مبارك, فيحاول الان السيسي طمئنة القوى الخارجية بان هذا الانقلاب هو في صالحهم, والان فقد السيسي القدرة على اخفاء هذا الانقلاب عندما خرج وطلب من الشعب المصري استكمال ثورة ال30 من يونيو واعطائه تفويض لاراقة الدماء واطلاق يد السلطة ضد الجميع  وخصوصا انه شعر في تلك اللحظة بان انقلابه ليس له خلفية شعبية واراد ان يخلق قضية وهي الارهاب ويحصد بها التعاطف الشعبي لكي يتسنى له ممارسة ارهاب الدولة, و من ضمن هذه الدعوات ذهبت حركة تمرد لتدعو الشعب لتاييد الجيش ايضا, وبعد ان حشدت حملة تمرد لثورة النظام القديم الان تحشد للمؤسسة العسكرية بعد ان انتهى دورها في وضع الغضب الشعبي النابع من عجز الدولة عن تلبيته في صالح تيار معين و الان تمرد تسلم كل مكاسبها الى التيارات الليبرالية و المؤسسة العسكرية.
و بعد ان تشكلت ملامح الحكومة الليبرالية التي عادت بنفس طريقة التفكير القديمة ما قبل يناير 2011 وعودة اجهزة اخرى امنية للعمل بعد توقفها و بداية عودة الاوضاع لطبيعتها مع رجال الاعمال من النظام القديم والذي عكف ايضا نظام مرسي على التصالح معهم بعد محاولات حثيثة نجح بعضها وفشل الاخر, ولكن بعودة النظام القديم تماما وبشكل جديد وبنفس صور العجزة المتهالكين في المناصب فالان لا يوجد داعي للتصالح بل هذا سيعطي دفعة اكبر من دفعة نظام مرسي لهذه الكتل الراسمالية لممارسة جشعها على الشعب.
ولم تختلف طريقة الاخوان في التعاطي مع الشعب عن ما سبقهم من انظمة, و هذا ما كنا نتوقعه ما دامت السلطة اداة لقمع جموع الشعب وليس للحفاظ على حقوقها, حيث كانت الضمانة الاساسية لوصول الاخوان للحكم هو الاستمرار في خدمة الراسماليين, والقضاء على الثورة بشتى الطرق القمعية والسلطوية التي تنوعت من حبس للعمال والطلبة الى خطفهم جماعيا او قتلهم تحت حماية الجيش والشرطة, وهذا ما عكف الاخوان على عمله خلال سنة كاملة من حكمهم وما سبقها من بعد ال28 من يناير, ولكن و لصراع على تولي مساحات السلطة بين النخب التي نمت في عهد مبارك, وبين النخب ذات الطابع الاسلامي المحافظ, مع العلم ان افكارهما الاقتصادية الراسمالية هي عامل مشترك بين تلك النخب, تم الاطاحة بالاخوان المسلمين من سدة الحكم حتى يصبح الطريق ممهد لتلك النخب المباركية للسيطرة على السلطة.
ولا ننسى ذكر ان الاخوان وصعودهم للحكم كان بتصرف من المجلس العسكري الذي أرتأى انه من الضروري وصولهم للحكم للسيطرة على جموع الشعب التي احتلت الشوارع والميادين, و الان بعد ان اصبح للنخب السياسية القديمة متعاونة مع القوى الليبرالية والقومية القدرة على حشد انصارهم من الطبقة البرجوازية والوسطى اصبح وجود الاخوان في الصورة هامشي, ولذلك تمت التضحية بهم في خضم الصراع على السلطة في تلك المسرحية السخيفة المسماة بثورة 30 يونيو.
و لكننا نرى انه وكما يتضح الان ان النظام يريد ان يحافظ على الاسلاميين في معسكر المعارضين له, حتى تختفي الخطوط الفاصلة بين المطالبين بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية و المطالبين بكراسي داخل النظام, ويصبح بذلك معارضة النظام محصورة داخل اطار الدولة والنظام الحالي القائم.
والان وبعد ان مرت موجة الثورة المضادة ونجحت في العودة للسلطة, يجب ان ننوه ان ايضا نظام الاخوان المسلمون لم يعطي للشعب اي من مطالبه لا الاجتماعية ولا الاقتصادية ولا السياسية حتى مثله مثل نظام المخلوع مبارك, و اثبتت ان الجيش هو العنصر الاساسي في المعادلة السياسة المصرية التي داخلها يتحرك جميع الاطراف والتي تحرص في جميع الاوقات ليس على مطالب المجتمع  ولكن على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وخصوصا ان الجيش يمتلك 30% من الاقتصاد المصري واكثر وبدون الاستقرار لن يتسنى لرجال الاعمال ذوي الرتب العسكرية ان يحصدوا ارباحهم الضخمة في سلام, واثبتت ان الجيش يتدخل دائما عندما يشعر بالخطر على استقرار الدولة الذي يرتبط بشكل مباشر بمكاسبه السياسية والاقتصادية التي تسمح له التحكم في الدولة تحت سلطة اي فصيل لان هذا الفصيل لن يصعد للسلطة الا بعد ان يمر بمباركة المؤسسة العسكرية.
 ان الثورة لن تصبح في يوم من الايام حراك يقتات عليه السياسيين من مختلف الاطراف ليضمنوا لانفسهم جزء من السلطة او السطوة, ان الثورة هي حراك مستمر لن يخمد حتى تتحقق مطالب الجماهير, ان الثورة بالضرورة هي عدو لكل سياسي, وعدو لكل عسكري, ولكل رجل اعمال, ولكل رجل دين, الثورة ليست و لن تكون رهن اشارة احد, لذلك حملة تمرد كامثالها من الحملات المختلفة ضمن الطرق المتعددة لتسييل الروح, الثورية في نهايتها سوف تصبح نكتة هزلية للجماهير التي تنادي باسقاط النظام, حيث ان حملة تمرد تدين في التظاهرة التي دعت لها مع الاطراف السياسية المختلفة اي هتافات ضد اي جزء من النظام وضد النظام, فالهتاف فقط ضد الاخوان المسلمين, نعم الاخوان المسلمين هم عدو للثورة ولكن اعداء الثورة هم من يحاولون جاهدين اخمادها ووضع اطار لها فالثورة هي عدو النظام, الثورة هي عدو السياسية, عدو للسلطة فحتى لو نجع الحراك البرجوازي ضد الاخوان المسلمين بالاتيان برئيس جديد سوف تقف الثورة ضده فالثورة ضد النظام وليس ضد افراد او اشخاص.
 

No comments:

Post a Comment